
الجنوب اليمني:
يمثل التنميط والفرز المناطقي أحد أخطر أشكال التمييز الاجتماعي، إذ إن اختزال الإنسان في جغرافيا ميلاده أو لهجته أو الانتماء الضيق لقريته أو مدينته لا يؤدي إلى تقويض هويتنا اليمنية الجامعة فحسب، بل نخسر معها أيضا جوهر إنسانيتنا.
فالانتماء المناطقي حين يتحول من مجرد معرفة بالهوية المحلية إلى معيار للحكم على الآخرين، يصبح أداة للتمييز، ويزرع الحواجز في النفوس قبل أن يرسمها على الخرائط. عندها يضيع التنوع الذي هو مصدر غنى وتكامل، ويتحول الاختلاف الطبيعي إلى سلاحٍ للهدم والإقصاء.
لقد أثبتت تجارب الشعوب أن قوة الأوطان لا تُقاس بمدى تجانسها، بل بقدرتها على إدارة التنوع وتحويله إلى طاقة للبناء. والتاريخ اليمني نفسه شاهد على أن كل نهضة حقيقية قامت على الاعتراف، والقبول بالتنوع، وتجاوز العصبيات الضيقة. ومن هنا فإن مواجهة التنميط المناطقي ليست مسألة أخلاقية فقط، بل هي شرط من شروط بقاء الدولة، وضمان لاستمرار مشروعها الوطني.
اليمن، عبر تاريخها الطويل، لم تبنَ بحجر واحد ولا بقبيلة واحدة ولا بلهجة واحدة. بل تشكلت من تعدد بيئاتها ومناطقها وثقافاتها، وصاغت هويتها الجامعة من التنوع لا من الانغلاق. فإذا انجررنا وراء الفرز المناطقي، فإننا لا نرتد فقط عن روح الجمهورية والوحدة، بل نرتد عن معنى “الإنسان” الذي يتجاوز كل هذه التصنيفات ليُقاس بما يحمله من قيم ومبادئ، لا بمكان ولادته.
إن أخطر ما يواجه المجتمعات ليس العدو الخارجي فحسب، بل هذا التصدع الداخلي الذي يُفرغها من قدرتها على التماسك. والفرز المناطقي هو أشبه بالسم البطيء؛ لا يظهر أثره سريعا، لكنه مع الوقت يحول المجتمع إلى جزر معزولة، تُساق كل واحدة إلى مصيرها وحدها.
ولهذا فإن رفض التنميط المناطقي ليس مجرد موقف وجداني، بل هو دفاع عن مشروع وطني وإنساني أوسع، يضع الإنسان أولا، ويجعل من التنوع جسرا للتواصل لا خندقا للتباعد.
المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك