مقال لـ علي المحثوثي الأرض تموت وتحيا .. فلا يأس.

15 سبتمبر 2024آخر تحديث :
مقال لـ علي المحثوثي  الأرض تموت وتحيا .. فلا يأس.
علي المحثوثي
علي المحثوثي

الجنوب اليمني: مقالات

الحياة والموت ظاهرة تصيب الإنسان والحيوان والنبات والأرض، وموت الأرض له صورتان، الأول موت يتمثل في الجدب وهو انعدام الزرع والضرع، وحياتها بالغيث والزراعة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فوصف الله تعالى الغيث بالحياة للأرض، وقبل هذه الحياة كان الموت الجدبي.
والصورة الثانية: موت الأرض بالحروب والمجاعات وتهدم المعمار، وتولي العابثين والخارج عليها، وتسلط المفسدين على خيراتها، وحياتها بالعدل، والقوة الراشدة، والصناعة، وصناعة الإنسان،
وهنا بيت القصيد في الموضوع، فالأرص قد تُصاب بحالة الموت السياسي والأخلاقي، وستحيا وتعود من جديد، ولكن كم هي فترة الموت عادة، وكم تحتاج لفترة للإستشفاء والعودة للحياة؟

تناول القرآن أنواع الموت، ومنها الموت السياسي المتمثل بغياب الدولة الراشدة في أرض ما، وتسلط العابثين والخارج عليها، كما تناول القرآن فترة العودة والنهوض، وفترة العودة قد تطول وقد تقصر، بحسب قوة الإنقاذ، وبحسب قوة الوعي والتفاعل الصالح من المجتمع، فإذا كان المجتمع راشدا والنخبة فيه متفانية مصلحة، كانت فترة العودة (الدورة الحضارية) قصيرة جدا، قد تأخذ أشهرا، وقد تأخذ سنوات خاصة؛ إذا كان البناء جديدا، ومثالها فترة العهد النبوي في صناعة دولة المدينة التي استغرقت عشر سنوات فقط، وبعدها خمس سنوات من فترة أبي بكر وعمر لتكون دولة عالمية، وإذا بهذه الدولة الناشئة الفتية تسيطر على الجغرافيا، وتطيح باعظم امبراطوريات العالم أنذاك (فارس والروم)، وفلاسفة الحضارات ومراقبو سقوط الدول ونهوضها يستغربون من السرعة القياسية لهذه الدولة الناشئة واكتساحها للأرض وثباتها أمام التحديات والمؤثرات! وكيف تسنى لها في هذا الزمن القياسي أن تجتاح الأرض، وتفتح جغرافيا الأرض الكبرى وعواصمها وتتسلم زعامة الأرض، وليس إلا الروح القرآنية الدافعة للحركة والبناء والهداية {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}، فالروح القرآنية هي مصدر القوة والسرعة.

وقد تطول فترة الموت (الجغرافي السياسي) بالأرض والإنسان، فتصل إلى مائة سنة، وبعد ١٠٠ سنة، تكون الأرض قد عادت إليها الحياة بعد أن تعرضت للموت (الحروب والدمار والخارج)، مثاله:
يتحدث الله عن الدورة الحضارية المئوية، فيقول في سورة البقرة (٢٥٩){ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} مر (عُزيرٌ) اليهودي على #فلسطين وهي خاوية على عروشها، وقد تهدمت واحترقت بسبب الغزو البابلي العراقي، فقال بلسان المستغرب، وقد رأى الدمار {أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ} أي: كيف سيحيي الله هذه الأرض؟ وهل ستكون لها دولة وشعب؟
فكان أن أراه الله آية فيه تتجلى في معجزة ناسبت ذلك الزمان، وزمانهم زمن المعجزات المشاهدة المتكررة، فأماته مائة عام، ثم بعثه بعدها، وقد أحيا تلك الأرض، وأعاد لها سابق عهدها.

وفي التجارب البشرية كثير من المشاهد من اختصار الزمن لعودة الحياة إلى الأرض، كدول الخليج -مثلا- التي كانت جغرافيتها صحاري وقبائل متحاربة وسلطنات صغيرة متجاذبة، فكان من أمرها السياسي (الدولة) والاقتصادي ماكان، وكذلك أوربا التي دُمرت بسبب الحرب العالمية الأولى والثانية، لكنهم اختصروا الزمن على أنفسهم وشعوبهم، فكان أن عادت اوربا أقوى سياسيا، وأنهض اقتصاديا وأعم أمانا. (هذا تفسير حضاري للحالة السياسية فقط).

خلاصة المكتوب وغايته: الأرض الميْتة بالحرب والعبث، لن تطول بها فترة الحرب والعبث، فالأرض كما تمرض وتموت، فإنها تتعافى وتعود، وتعود ربما أقوى، وقد تكون الفترة السابقة تربية وتأهيل واستعداد لمستقبل أعظم وأكبر، والله يختص برحمته من يشاء، فلايأس ولاقنوط، وفي الآية الكريمة {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.

موقع الجنوب اليمني