الجنوب اليمني: خاص
تتخذ المنطقة الشرقية من اليمن منعطفاً جذرياً في المشهد الإقليمي، حيث تتفاعل قوى محلية وخارجية بسرعة غير مسبوقة، تُعيد تعريف التوازنات الحدودية، وتُحدث تحوّلات ميدانية وسياسية تطال سلطنة عمان بعمق. ولا يقتصر الأمر على التغيرات العسكرية أو الأمنية، بل يمتد ليشمل إعادة هيكلة التوازنات الجغرافية السياسية في بحر العرب، مما يستدعي من مسقط تبنّي مقاربة استراتيجية بعيدة عن الضجيج، لكنها حاسمة.
وأوضح الكاتب والباحث السياسي العماني محمد العريمي أن تمدد القوى المدعومة إقليمياً في محافظات حضرموت والمهرة لا يُعدّ مجرد توسّع ميداني، بل يُشكل تحوّلاً في البنية السياسية للمنطقة، يُرافقه صمت لافت من قبل العواصم الإقليمية، يوحي بترتيبات غير معلنة تُرسم خلف الكواليس. ويُشير إلى أن عمان، التي عَرَفت شرق اليمن منذ السبعينيات كامتداد اجتماعي وإنساني وجغرافي، تواجه اليوم تحولاً جوهرياً في طبيعة القوى الفاعلة هناك، ما يتطلب مقاربة أكثر حذراً وحساسية.
وقالت إن السلطنة تدرك جيداً أن أي تحوّل في شرق اليمن سيُؤثر مباشرة على أمنها الحدودي، وعلى استقرار بحر العرب، الذي يُعدّ من أهم المحاور الاستراتيجية في المنطقة. ولذلك، فإن مسقط تُراقب التطورات عن كثب، وتُطبّق سياسة هادئة، تعتمد على الدبلوماسية والتفاوض، وتُجنّب التصعيد، في سعي لحماية مصالحها الاستراتيجية دون أن تصبح طرفاً مباشراً في الصراع.
وأشار العريمي إلى أن عُمان تمتلك خبرة طويلة في إدارة الأزمات الإقليمية، وقد استطاعت عبر عقود أن تُحافظ على مكانتها كحلقة وصل بين القوى الإقليمية، دون أن تُشارك في صراعات مباشرة. وتأتي هذه الميزة في وقت يزداد فيه الضغط على المنطقة، مع تحوّل التحالفات، وتصاعد الحديث عن “يمن جديد” يُخطط له من قبل قوى دولية، وفق رؤية مدعومة أمريكياً وأوروبياً وخلجياً.
وأفاد أن هذا المشروع، رغم التمويل والدعم الخارجي، لا يُمكن أن يُفرض بسهولة على الواقع اليمني، لأن المعادلات الداخلية معقدة، وتمتد جذور الصراعات إلى مكونات اجتماعية وقبلية واقتصادية، لا يمكن تجاوزها عبر وثائق دبلوماسية أو مبادرات خارجية. وأضاف أن أي محاولة لإعادة تشكيل اليمن وفق رؤية غربية ستُواجه بمقاومة واسعة، وستُكلّف دماً جديداً، وصراعات أعمق، قبل أن تُرسي أي ترتيبات مستقرة.
بينما تواصل العواصم الغربية التفكير في إعادة إحياء اليمن من جديد، يُحذر الكاتب من أن هذا “اليمن الجديد” لن يولد بسهولة، وسيكون مُكلّفاً من الناحية الإنسانية والسياسية، أكثر مما كان عليه الحال خلال العقد الماضي. فالشعب اليمني، الذي عانى من عشر سنوات من الحرب، لا يمكن تجاهله، ولا يمكن استبدال واقعه بمشاريع مُصاغة في غرف مؤتمرات بمنهاط أو لندن.
وأكّد أن اليمن ليس ورقة تُرسم على الطاولة، بل وطن له تاريخ، وذاكرة، وحالة مُعقدة من التفاعلات المحلية والإقليمية، وتحويله إلى مختبر سياسي يهدد بتفجير استقرار المنطقة، وليس تأمينه. ورغم الحضور الدولي المتصاعد، فإن مستقبل اليمن، إن لم يُبنى على توازن حقيقي بين الداخل والخارج، سيكون مُتقلّباً، ومحفوفاً بالمخاطر.
وأوضح أن عُمان، بموازنة توازناتها وحرصها على الحياد، قد تُصبح من أبرز الأطراف التي تُسهم في تهدئة التوتر، إذا ما بقيت ملتزمة بنهجها الهادئ، ودعمت مساراً يُراعي المصالح الوطنية اليمنية، ويُقلّل من تأثير التدخلات الخارجية.


