الجنوب اليمني: غرفة الأخبار
تُعدّ محافظة المهرة في جنوب اليمن واحدة من أكثر المناطق التي تُثار حولها جدلاً بشأن مصير الثروات الطبيعية، حيث تحوّل النفط من مورد واعد لبناء اقتصاد مستقر إلى أداة لفرض نفوذ خارجي يتجاوز المعايير الوطنية.
ووفقاً لتقرير حديث من منصة “أبناء المهرة وسقطرى”، يُظهر الوضع على الأرض تواجدًا مباشرًا للسعودية في مسارات الاستكشاف والاستخراج النفطي، يقابله استبعاد تام لدور المؤسسات الحكومية اليمنية والشركات المحلية من المشاركة الفعلية في إدارة هذه الثروة.
وأفاد التقرير بأن الشركات السعودية، أو تلك التي تُدار بتأثير مباشر من الرياض، أصبحت تُحكم مسارات المشاريع النفطية في المحافظة، فيما تُحظر أي محاولة يمنية لاستئجار أو ترخيص مناطق استكشاف جديدة. ورغم وجود مساعٍ رسمية من قبل الحكومة اليمنية لاستعادة السيطرة، إلا أن غياب قانون نفطي وطني متكامل يُعَدّ عائقاً كبيراً أمام فرض الدولة على هذه الترتيبات.
وأشار التقرير إلى أن هذا التحول لا ينبع من سبب اقتصادي بحت، بل يعكس تفعيلاً لمشروع سياسي يهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الجغرافية والسياسية في شرق اليمن، حيث يُستخدم النفط كأداة لضبط التحالفات المحلية، وفرض هيمنة على مسار التجارة، وإعادة توجيه النسيج القبلي والاجتماعي لخدمة مصالح إقليمية خارج إطار السيادة اليمنية.
وأوضح التقرير أن السيطرة السعودية على القطاع النفطي في المهرة تتم عبر اتفاقيات غير معلنة، واعتماد على شركات وهمية أو ممولة من الخارج، ما يُضعف من قدرة الحكومة اليمنية على التفاوض أو التحكم بأسعار الاستخراج أو توزيع العوائد. ورغم أن المهرة تمتلك احتياطات نفطية واعدة، إلا أن الاستفادة منها تظل مقتصرة على شركات تابعة لقوى خارجية، بحسب ما أكده مصدر مطلع من أبناء المحافظة.
وأشار التقرير إلى أن هذا الوضع يُسهم في تعميق أزمة السيادة، حيث تُحول الثروة الوطنية إلى أداة لتعزيز التبعية، بدل أن تُستخدم لتمويل المشاريع التنموية، أو دعم البنية التحتية، أو خلق فرص عمل حقيقية. ولفت إلى أن غياب الشفافية في التراخيص، وغياب المساءلة، يُعدّ مظاهر واضحة على تآكل مؤسسات الدولة، وتحول موارد الوطن إلى سلعة تُدار وفق مصالح خارجية.
وأضاف أن هذه الديناميكية لا توجد في فراغ، بل تأتي ضمن سياق تاريخي طويل من التلاعب بمصائر الموارد في اليمن، حيث تمّت استغلال الثروات عبر صفقات وهمية، ومشاريع لا تخدم رؤية وطنية، بل تُمكّن مناطق نفوذ محددة من التحكم بالثروة. لكن المرحلة الراهنة تُعدّ أخطر من حيث التحول من الاستغلال الاقتصادي إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية في شرق اليمن.
وفي حين تستمر الحكومة اليمنية في الدعوة إلى استعادة السيطرة على الثروات، فإن التقرير يؤكد أن هذا الهدف لن يتحقق ما لم تُبنى مؤسسات قادرة على فرض القانون، وتُعزز الإطار التشريعي الوطني، وتُضمن الشفافية في إدارة الموارد، خصوصاً في مناطق مثل المهرة التي تقع على مفترق طرق حيوية.


