الجنوب اليمني: خاص
تُعدّ الأزمة الإنسانية في اليمن من أخطر الأزمات المعاصرة، حيث تشهد البلاد تدهورًا متسارعًا في مستوى المعيشة، وسط تقارير مفزعة عن ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية بين الأطفال، وتفاقم أوضاع النازحين والسكان المتضررين من الفيضانات والصراعات.
وفي ظل انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حذرت عدد من المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن من أن ملايين الأسر على شفا الكارثة، ودعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الأرواح.
وأفادت التقارير بأن أكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون خطر الجوع، منهم 41 ألفًا معرضون لخطر الجوع الشديد، في حين يعاني ما لا يقل عن 2.4 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، وبعضهم مصاب بحالة وفاة محتملة دون تدخل فوري.
وقد سُجّلت حالات وفاة لطفلين على الأقل بسبب سوء التغذية في الأشهر الأخيرة، وتُشير التقديرات إلى أن هذه الأرقام ستتضاعف في الأشهر المقبلة، خصوصًا مع استمرار تراجع المساعدات وتدهور الاقتصاد وتفشي الأمراض.
وأوضح أن واحدًا من كل خمس أسر في اليمن يعيش يومًا وليلة دون طعام، بينما يضطر الآباء إلى التضحية بأجسادهم لضمان بقاء أطفالهم، ما يُفاقم من معاناتهم ويعزز من تفشي الأمراض والمعاناة الجسدية والنفسية.
وخلال الأسابيع الماضية، اجتاحت فيضانات غير مسبوقة مناطق متعددة في اليمن، خلفت 157 قتيلًا وعشرات الجرحى، وتدمير ملاجئ، وجرف أراضٍ زراعية، وسُجّل فقدان أكثر من 50,600 أسرة من منازلها ومصادر دخلها، معظمها من النازحين الداخليين.
وأشارت التقارير إلى أن البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، التي كانت هشة بالفعل بسبب سنوات الصراع، تفاقمت تضررها، ما أدى إلى انتشار أمراض معدية كالكوليرا والإسهال المائي الحاد. حتى نهاية يوليو، تم تسجيل أكثر من 58,000 حالة مشتبه بها من الكوليرا، مع 163 حالة وفاة مرتبطة بها، مما يجعل اليمن واحدة من أكثر الدول تضررًا في العالم من الأوبئة.
كما تشير تقارير إلى ارتفاع مقلق في حالات حمى الضنك مقارنة بعام 2024، فيما يعوق نقص التمويل جهود المراقبة والاستجابة، ما يوحي بأن المدى الحقيقي للوباء أكبر بكثير مما تُظهره الأرقام الرسمية.
وأفادت المنظمات بأن النساء والفتيات يتأثرن بشكل غير متناسب، وسط ازدياد حالات الزواج المبكر، وإخراج الأطفال من المدارس، وانتشار عمالة الأطفال، كلها آليات تكيف سلبية تُفرضها الأوضاع القاسية.
وقد أدت التوترات الإقليمية إلى تفاقم الوضع، حيث سُجّلت أكثر من 880 إصابة بين المدنيين في اليمن حتى منتصف عام 2025، إلى جانب تدمير واسع للبنية التحتية الحيوية مثل المدارس والمستشفيات والطرق.
وفي سياق متصل، لفتت المنظمات إلى تهديدات متزايدة ضد عمال الإغاثة، بعد جولة جديدة من الاعتقالات التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عمليات اعتقال سابقة طالت عاملين في المجال الإنساني منذ يونيو 2024، ما أدى إلى توقف كبير في توصيل المساعدات إلى المناطق المحتاجة.
وتُشير خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 إلى أن التمويل المستلم حتى أوائل سبتمبر بلغ 18% فقط من الهدف المطلوب، وهو أدنى مستوى تمويل منذ عقد من الزمن. بينما يهدف النداء إلى مساعدة 10.5 مليون شخص من أصل 19.5 مليونًا محتاجًا، فإن التمويل الحالي يعني أن غالبية المتضررين سيبقون دون أي دعم مخطط له.
وقد أجبر هذا الوضع المنظمات على اتخاذ قرارات صعبة، وصفت بأنها “أخذ الطعام من الجياع لإطعام الجياع”.
زرغم التحديات الهائلة، تواصل بعض المنظمات استمرار عملها، حيث تم توفير المساعدات الشهرية لـ3.7 مليون شخص، أي أقل من 35% من المستهدفين، عبر توزيع الغذاء والماء، وتقديم الرعاية الصحية، والحماية، والمأوى، والمساعدة النقدية.
ودعت المنظمات إلى اتخاذ خطوات جوهرية، منها:
زيادة التمويل الإنساني بشكل عاجل لضمان استمرار برامج الغذاء والصحة والمياه والحماية دون انقطاع.
ضمان تضمين الحماية في جميع التدخلات، مع تخصيص موارد كافية للخدمات المتعلقة بالحماية، خصوصًا للنساء والأطفال.
ربط المساعدات بالاستدامة والتنمية، لتمكين المجتمعات من بناء سبل عيش مستقرة، وبناء أساس للتنمية طويلة الأجل، وقطع دابر حلقة الاحتياجات المتكررة.
التأكيد على احترام القانون الإنساني الدولي، ودعوة جميع الأطراف إلى الامتناع عن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.
الاستخدام الفعّال للضغط الدبلوماسي لضمان الإفراج الفوري عن عمال الإغاثة المعتقلين وضمان حرية حركة المساعدات دون عوائق.
دعم جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، وضمان عدم تجاهل اليمن في ظل تداخل المصالح.