“هيكلة القبائل”.. تعصف بسقطرى

21 أكتوبر 2024آخر تحديث :
“هيكلة القبائل”.. تعصف بسقطرى

الجنوب اليمني | متابعات

أصدر مشايخ (قادة قبليون) في محافظة أرخبيل سقطرى، الأحد 20 أكتوبر 2024، بيانا يرفض قرارات محافظ المحافظة، بشأن هيكلة القيادات القبلية في الأرخبيل الذي اعتمد في نهاية سبتمبر الماضي، قيادات ووجاهات جديدة موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

تأتي قرارات السلطة المحلية في سقطرى بشأن القيادات القبلية عقب أربع سنوات منذ سيطر مسلحو المجلس الانتقالي الجنوبي في منتصف 2020 على أرخبيل سقطرى إثر قتال قصير مع قوات حكومية عقب تدخل قوات سعودية سلمت في نهاية المطاف المقرات الحكومية لقوات المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب اليمن.

بدأ الأمر في نهاية يوليو هذا العام عندما أصدر محافظ الأرخبيل، رأفت الثقلي، قرارا بتشكيل لجنة هيكلة القيادات القبلية. لحق الأمر قرارا آخر، في نهاية سبتمبر الماضي بشأن اعتماد القيادات القبلية الجديدة التي عينتها لجنة الهيكلة وإلغاء التعامل مع القيادات السابقة.

تتمتع القيادات القبلية في المجتمع اليمني بما في ذلك سقطرى بأدوار كبيرة تشمل فض النزاعات وتمثيل القبيلة لدى السلطات المحلية والأمنية

ولكن التغييرات الأخيرة في خارطة القيادات القبلية في سقطرى قد أثارت سخط المجتمع هناك إذ تقول قيادات قبلية هناك أن اختيار القيادات الجديدة جاء بأمر السلطات ولم يتم عن حسب العادات القبلية المتعارف عليها.

في الواقع التغييرات القبلية جزء من مسارات متعددة تشهدها محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية ضمن تداعيات سيطرة المجلس الانتقالي على الأرخبيل بدعم إماراتي وسعودي.

إلا أن التحولات هذه المرة معقدة وتمس بنيتها القبلية، ويُنظر إليها على أنها محاولة لتفكيك نظام قبلي متماسك استمر لعقود، وحافظ على الاستقرار والأمن داخل الجزيرة.

المصادر القبلية التي تحدثت تقول أن هذه التحركات تهدف إلى فرض سيطرة سياسية على القبائل عن طريق تعيين مشايخ جدد بأساليب مثيرة للجدل تتعارض مع التقاليد والأعراف القبلية المتوارثة. وتتركز المخاوف الرئيسية في أن هذه الهيكلة ستؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي؛ مما يعزز الانقسامات القبلية ويضعف تماسك المجتمع السقطري.

بالإضافة إلى أن هذه التغييرات تثير تساؤلات حول التدخلات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه دولة الإمارات في تعيين شخصيات محددة تخدم مصالح سياسية واقتصادية محددة. وبجانب هذه الأبعاد الاجتماعية والسياسية، هناك قلق متزايد من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى بيع الأراضي والعبث بالبيئة الفريدة لجزيرة سقطرى؛ ما يعرض مواردها الطبيعية للخطر.

وسط هذه التوترات، تتزايد الدعوات للعودة إلى احترام التقاليد القبلية والمحافظة على الهوية الثقافية، مع إشراك القبائل في عملية صنع القرار لضمان الاستقرار المستدام وحماية مصالح المواطنين في سقطرى من التأثيرات الخارجية.

تداعيات خطيرة

وفي هذا الصدد، أعربت شخصيات اجتماعية قبلية في محافظة سقطرى عن قلقها إزاء التداعيات الخطيرة للهيكلة القبلية الأخيرة التي شهدتها محافظة أرخبيل سقطرى.

مصادر محلية قبلية متعددة قالت: أن هذا القرار لم يكن ناتجًا عن إجماع مشائخ وحكماء وعقلاء القبائل الذين حافظوا على أمن واستقرار الجزيرة لعقود طويلة، بل هو نتيجة رغبات ونزوات بعض المتنفذين الذين يسعون للهيمنة على القبائل وأراضيها. ولفتت أن هذه الهيكلة تمثل تهديدًا مباشرًا للهوية الثقافية والتاريخية لسكان سقطرى؛ وستؤدي إلى تفتيت النسيج القبلي وتفكك وحدته وتماسكه؛ مما يضعف قدرتهم على الحفاظ على الهوية والثقافة والتاريخ السقطري.

كما أبدوا مخاوفهم من أن تؤدي هذه الهيكلة إلى بيع الأراضي والعبث بالبيئة، وتحويل الشأن القبلي إلى آداة في الصراعات السياسية. وأضافوا: عملية اختيار المشائخ الجدد تمت بطريقة غير شفافة، حيث تم توزيع استمارات فارغة على مندوبين مرشحين من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم ملء هذه الاستمارات بأسماء وتوقيعات غير موثقة، مما يثير العديد من التساؤلات حول نزاهة هذه العملية. وحذرت الشخصيات الاجتماعية من “العواقب الوخيمة على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية”، ودعت جميع الأطراف المعنية إلى التدخل لوقف هذه الانتهاكات وحماية حقوق مواطني سقطرى.

تدخلات غير مسؤولة

في السياق ذاته، عبر أحد أعضاء لجنة المصالحة والتسوية في أرخبيل سقطرى، وهو كيان تأسس حديثا لمقاومة تغيير القيادات القبلية، الذي طلب عدم نشر اسمه، عن استنكاره الشديد للتدخلات الأخيرة للسلطة المحلية في الشأن القبلي بالمحافظة.

ووصف عضو لجنة المصالحة، هذه التدخلات بأنها “غير مسبوقة وتتنافى مع الأعراف القبلية والتقاليد المتوارثة”.

وقال إن السلطة المحلية، بالتنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، شكلت لجنة مزعومة للهيكلة، قامت باختيار مقادمة ومشايخ القبائل بشكل تعسفي وسياسي، وتم توزيع المناصب القبلية كمكافآت وترضيات للمقربين من السلطة ونشطاء الانتقالي.

وأشار أن هذه الإجراءات أحدثت انقسامًا عميقًا في النسيج الاجتماعي للقبائل السقطرية، وأثارت حفيظة مشايخ القبائل الذين عبروا عن رفضهم للهيكلة، مطالبين برفع اليد عن الشأن القبلي وعدم تسيسه واستغلاله لأغراض حزبية.

وأضاف: بعض المشايخ وأعيان المحافظة تعرضوا للتهديدات والاعتقالات بسبب مواقفهم الرافضة لهذه الإجراءات، مؤكّدين تمسكهم بالطرق السلمية للدفاع عن حقوقهم ومصالح قبائلهم. ودعا جميع الأطراف إلى احترام الأعراف القبلية والتقاليد المتوارثة والعمل على الحفاظ على السلم الاجتماعي والاستقرار في أرخبيل سقطرى. كما طالب المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل لوقف هذه الانتهاكات وحماية حقوق المواطنين في سقطرى.

تقويض النسيج الاجتماعي

من جهته، كشف مسؤول حكومي بارز في أرخبيل سقطرى وجود “مؤامرة تستهدف تقويض النسيج الاجتماعي المتماسك في الجزيرة والسيطرة على شؤون القبائل”.

وأوضح المسؤول الحكومي أن هذه المؤامرة تتمثل في فرض شخصيات معينة على القبائل دون مراعاة تقاليدها وعاداتها الأصيلة؛ بهدف تحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

وأشار إلى أن الأطراف التي تقف وراء المؤامرة تسعى لاستغلال القبائل كأداة لتحقيق أهدافها، من خلال ربط تقديم الخدمات بها، وتحسين صورتها أمام المجتمع في محاولة لكسب التأييد الشعبي.

وحذر المسؤول من خطورة هذه الممارسات التي تهدد بانقسامات اجتماعية وتقويض الثقة بين السلطة المحلية والمواطنين؛ مما سيؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية في الجزيرة.

واختتم حديثه بدعوة جميع الأطراف إلى احترام تقاليد وعادات سقطرى، وإشراك القبائل في صنع القرارات التي تؤثر على مستقبلهم، والحفاظ على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي كسبيل وحيد لتحقيق التنمية والاستقرار في الجزيرة.

تهديد الاستقرار

تبدو الهيكلة القبلية الجديدة في سقطرى تهديدًا جوهريًا للنسيج الاجتماعي المتماسك الذي حافظ على استقرار الجزيرة لعقود، بحسب المتحدثين. فالتغيرات التي فرضتها السلطات المحلية الموالية لدولة الإمارات والمجلس الانتقالي فاقمت الانقسامات بين القبائل؛ ما يكشف أن الهيكلة مجرد خدمة لمصالح سياسية ضيقة بدلًا من الحفاظ على التقاليد القبلية.

علاوة على أن التدخلات الخارجية في اختيار المشايخ بطرق غير شفافة عمّقت الشكوك بين أبناء سقطرى وأضعفت الثقة بين المواطنين والسلطة المحلية.

كما أن للهيكلة تداعيات اقتصادية وبيئية خطيرة، من خلال بيع الأراضي والعبث بالموارد الطبيعية الفريدة في الأرخبيل، مما يهدد الاستقرار على المدى الطويل. لذلك، تبرز أهمية دعوات الأطراف المحلية للعودة إلى احترام التقاليد القبلية، وإشراك القبائل في صنع القرار؛ لضمان مستقبل مستدام ومستقر لسكان سقطرى، وحماية الهوية الثقافية والبيئية للجزيرة.

المصدر: المشاهد