بقلم عادل الحسني
على ظلال ذكرى سبتمبر الـ 62، لا يمكن إغفال الروح الثورية التي قادت إلى التحرر وقادت إلى قيام جمهورية يمنية أسست لما بعدها.
لم يقم بثورة سبتمبر، ومن بعدها أكتوبر إلا ثوار أحرار جعلوا للوطن الأولوية، وقدموا في سبيله الغالي والنفيس، ولم يكونوا إلا يدًا من الشعب وإليه.
تلك أمة قد خلت، أدَّت ما عليها، غيَّرت واقعًا وأزاحت ظلمًا وأقامت وطنًا؛ فكانوا رموزًا لمن سار على دربهم والتزم خطَّهم المشرق.
من عاش منهم فإنَّه يرى اليوم اختلافًا كبيرًا، فلا الواقع نفس الواقع، ولا الوطن نفس الوطن.
يا معشر الرعيل، يا ثوار سبتمبر المجيد وأكتوبر العتيد، هاكم واقعنا، قد بدَّل القوم وحاد الجمع عن الطريق.
لم يبقَ من سبتمبر وأكتوبر سوى الذكر والذكرى، وأهازيج تُعزف، وكلمات تُنشر جوفاء خاوية مكررة باهتة.
ولئن سألتم عن حال أرضنا وشعبنا، فقد صرنا فرقاء يشاكس بعضه الآخر، لم تعد لنا راية واحدة، ولا رؤية واحدة.
السُّبل تفرقت، فمنَّا من اختار الأرض، ومنَّا من سلم أرضه لغيره ووالى من أجهز على بقايا الثورتين.
لقد فُتحت مصاريع البلاد بأيدي من يفترض أن تكون “الدولة الشرعية” ونالت الاعتراف بعد أن منحت قرابين الولاء جزرًا وبحارًا، وسلمت مقاليد القرار إلى الخارج النافذ.
ما كانت النتيجة؟
النتيجة أنَّ هناك دولًا تريد تمزيق اليمن إلى دويلات، بواحدة في الجنوب، وأخرى في الساحل الغربي، والشرق بين التقاسم والتخاصم، وفي تعز ومأرب نوايا تتحين الفرص، وما بقي من الوطن محكوم من العاصمة الأم التي ترفض التقسيم ولا تزال تحافظ على يمنية القرار.
وهل لليمن قرار غير يمني؟
لليمن أقطاب حاكمة متعددة، فمن وزَّع الشرعية على ثمانية قد سلب القرار، فلا يملكون رأيًا، يجمعهم آمرهم متى أراد ليمرر عبرهم أوامره.
وإن سألتم عن معيشة أحفادكم يا ثلة الأحرار
فما بقي في اليمن بيت إلا وجاع، واستشرت فيه الأوجاع.
فقراء في كل مكان، على قوارع الشوارع وعلى أعتاب الجوامع، والسواد العظيم متعفف، إلا أن الزمن دار عليه وجار.
أسس الكرامة والمساواة التي أرستها الثورة ليست إلا حبر على الورق.
اليمنيون ليسوا سواء، فهناك شعب قد سحقه الحصار الجائر، وهناك أمراء حروب تسلقوا الأزمات وأصبحوا بعيدين عن الواقع لدرجة عدم رؤيته.
ووسط كل المآسي والأزمات، لا تزال الروح اليمانية حاضرة، تأبى الخضوع، وتتمسك بخيار الأرض الحرة التي سقيت بدماء سبتمبر وأكتوبر.
ليست كل اليمن حرة يا أحرار سبتمبر وأكتوبر.
سقطرى ترفرف عليها رايات المحتل الإماراتي، والذي غير الحاضر ليؤسس وجودًا سرابيًا على الأرخبيل اليمني، ويكمل خطه الاحتلالي المشؤوم بالسيطرة على الساحل اليمني الممتد من الحديدة غربًا حتى المهرة شرقًا، وبينهما الجزر المؤثرة كميون وسقطرى، ويبسط يده على باب المندب.
بلادنا ليست حرة
حين تُبنى على أرض اليمن قواعد عسكرية أجنبية، بأمر قهري لا يقبل التدخل، وحين يصلها الكيان الصهيوني الذي بات شريكًا في قواعد عسكرية على سقطرى، والذي بات يرى في طرف محلي – المجلس الانتقالي – متعاونًا قد يرقى إلى الشراكة في جنوب اليمن وشرقه.
يا رعيل الأحرار
بلادنا ليست حرة، حين يفرض ستة ضباط إماراتيين إغلاق منشأة بلحاف، إحدى أكبر المنشآت الغازية في المنطقة.
بلادنا ليست حرة، حين يشكو أهل حضرموت من رداءة الأوضاع، ومن أرضهم يُنهب الذهب على المرأى والمسمع.
بلادنا ليست حرة، حين يتقاسم النفط شلة عابثة، بحماية خارجية تتكسر أمامها أي سطوة للدولة المزعومة، دون أن يكون للأرض أو للشعب منها نصيب.
أتودون معرفة المزيد عن دولة سبتمبر وأكتوبر؟
بلاد بلا قائد، وحكومة في المنفى، وشعب بلا حقوق، لا مستقبل تم تأسيسه، ولا ماضي تم حفظه، ولا حاضر تم احترامه.
تصل مرتبات المنفيين كاملة بالدولار أو الريال السعودي أو الدرهم الإماراتي، فيما يظل الشعب يناظر الأيام حتى يصله مرتبه الزهيد الذي لا يكفيه.
من الفقر خُرِق جدار الوطن، حتى تمكن الخارج العابث من صناعة أتباع غذَّاهم وسمنَّهم ليطيعوه ويبيعوا وطنهم بما فيه.
يؤسفني أن أخبركم يا أحرار سبتمبر ويا ثوار أكتوبر
أنَّ ثوراتكم لم تعد حيَّة، طمستها الأحداث، وحرَّفها المتسلقون.
تسليم الأرض لمحتل خارجي جديد ليس إلا ابتعاث للاحتلال القديم بحلة جديدة، وفرض الصوت الواحد بالقمع والقوة والترهيب إنما هو وجه جديد للظلم السالف.
الثورة ليست اسمًا دون معنى، وللمعنى درب، وعلى الدرب رجال أحرار يحملون التطلعات ويصححون الواقع؛ حتى يعود الوطن لأبنائه، لكل أبنائه، ويُجلى الظلم والقمع والاحتلال.
ما أسسه أحرار سبتمبر وأكتوبر، أفسده المتراقصون على الدماء الحرَّة، ومن كان يؤمن بسبتمبر وأكتوبر، فليكفر بواقع اليوم المعتم.