الجنوب اليمني: خاص
تواجه الشرعية اليمنية أخطر لحظة في مسارها منذ اندلاع الحرب، حيث تتقاطع النزاعات المسلحة مع تفكك سياسي متسارع، ويُستهدف ما تبقى من مؤسسات الدولة من الداخل، لا من خارجها فقط. في هذا السياق، أعلن البرلماني علي عشال، عضو هيئة التشاور والمصالحة، عن حالة استنفار وطنية، مُحذّرًا من تحوّل التصعيد السياسي والعسكري في المحافظات المحررة إلى انقلاب مكتمل الأركان على الاتفاقات التي أسست لوحدة الجبهة.
وأوضح عشال أن المبادرات التي يُقدِّم عليها المجلس الانتقالي، في عدد من المحافظات، لم تعد مجرد اختلافات رؤية، بل تُمثّل خرقًا مباشرًا لاتفاقيات مُبرمة، بدءًا من اتفاق الرياض الأول، مرورًا بالتفاهمات اللاحقة، ووصولًا إلى إعلان نقل السلطة الذي كان مفترضًا أن يكون نقطة انطلاق نحو استعادة الدولة وبناء شراكة وطنية جامعة.
وأشار إلى أن إعلان نقل السلطة، الصادر عن الرئيس عبدربه منصور هادي، ليس تفويضًا مفتوحًا، بل وثيقة قانونية محددة في الشكل والمضمون، وضمنها تحديد صلاحيات أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورسم مسارات واضحة للحفاظ على كيان الدولة، واستعادة مؤسساتها، وإنهاء الانقلاب، وإدارة المرحلة الانتقالية بسياق دستوري وقانوني.
وأكد أن أي مسار سياسي أو عسكري يتجاوز هذه الأطر، أو يهدد وحدة القرار أو يُكرّس واقعًا يناقض سيادة الدولة، يُعدّ تقويضًا صريحًا للتفويض، وانحرافًا عن الغاية التي مُنح من أجلها. مضيفًا أن هذا الانحراف يفتح الباب أمام مسؤولية دستورية، تُمكن الرئيس هادي من سحب التفويض أو إعادة النظر فيه، متى ثبت تحوّل أعضاء المجلس عن مهامهم الأساسية.
وأشار إلى أن التحدي اليوم ليس فقط من انقلاب جماعة الحوثي، الذي قوض مؤسسات الدولة في صنعاء، بل من انقلاب داخلي يُقوض الشرعية من الداخل، ويُفرّغ الدولة من مضمونها حتى في المناطق التي يُفترض أنها محررة، ما يُضعف موقف الشرعية أمام المجتمع الدولي، ويُفقد أهلها شرعية التمثيل.
وأكد أن استمرار هذا المسار لا يهدد فقط وحدة الصف الوطني، بل يُقدّم فرصة تاريخية للانقلاب الحوثي لإعادة إنتاج نفسه كأمر واقع، ويُضعف من موقف الشرعية التفاوضي، ويُفقدها قواعد الاعتراف الدولي التي تعتمد على الدولة الموحدة والسلطة الواحدة.
ومن هنا، دعا عشال إلى تبني رؤية واضحة وعملية، تتمحور حول أربعة مسارات متوازية، تُشكل خطة عمل حقيقية للخروج من دائرة رد الفعل إلى فضاء الفعل المنظم.
أولًا، مسار المكاشفة مع دول التحالف العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتين تُعدّان الركيزتين الأساسيتين لدعم الشرعية، وتمتلكان القدرة على التأثير في الملفات الحساسة. ويجب أن يُقدَّم تقرير صادق حول التحديات التي تواجه الشرعية في المحافظات المحررة، لتمكين التحالف من التدخل الفعلي في تصحيح المسار.
ثانيًا، مسار الاصطفاف الشعبي حول مشروع الدولة الوطنية، بدعوة أبناء اليمن في كل المحافظات للتعبير السلمي عن انتمائهم للمشروع الوطني الجامع، الذي قامت عليه ثورتا سبتمبر وأكتوبر، ويُمثّل مواجهة للسلالية والتفكيك، ويُعزّز مبدأ المواطنة المتساوية.
ثالثًا، مسار التحرك العربي عبر جامعة الدول العربية، التي يجب أن تُدعى إلى انعقاد طارئ، لتفعيل موقف عربي موحد ضد أي مساس بسيادة اليمن، ووحدة أراضيه، بما يُرسّخ مبدأ أن مأساة اليمن ليست وطنية فقط، بل تُشكل تهديدًا للأمن القومي العربي.
رابعًا، مسار التحرك الإقليمي والدولي، لبيان خطورة التدهور في الأوضاع، وتداعياته على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لليمن. فالانهيار الإضافي لمؤسسات الدولة لن يُحدث فوضى داخلية فحسب، بل سيؤثر على خطوط الملاحة الدولية، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب.
وأختتم عشال بتحذير حاسم: “الشرعية لا تحتمل مزيدًا من التآكل، والدولة لا تقوى على انقلابين في آن واحد. فإما أن ننتصر لمنطق الدولة، أو نترك الوطن نهبًا لمشاريع التفكيك، مهما اختلفت شعاراتها وتعددت مسمياتها.”


