الجنوب اليمني: خاص
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر 2020، لم تعد المنطقة محكومة بالتحالفات التقليدية، بل دخلت طورًا جديدًا من إعادة هندسة الاصطفافات السياسية والأمنية. في هذا السياق المتحوّل، برز المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن كفاعل يسعى إلى تثبيت موقعه الإقليمي عبر بوابة تل أبيب، في مسار أثار جدلًا داخليًا واسعًا، وتقاطعت عنده الحسابات المحلية مع رهانات البحر الأحمر المتصاعدة.
لم يكن الانفتاح على إسرائيل مجرد موقف عابر في خطاب المجلس، بل تدرّج من إشارات إعلامية إلى مواقف سياسية معلنة، ثم إلى اتصالات مباشرة وتعاون أمني غير معلن، وفق ما كشفته تقارير صحفية وبحثية غربية.
من التصريح إلى التموضع
في صيف 2020، عبّر قياديون بارزون في المجلس، من بينهم هاني بن بريك، عن تأييد صريح للتطبيع، متناغمين مع الموقف الإماراتي الذي قاد اتفاقيات أبراهام. لاحقًا، في فبراير 2021، انتقل الخطاب إلى مستوى أكثر رسمية، حين أعلن رئيس المجلس عيدروس الزبيدي أن أي دولة جنوبية مستقلة ستقيم علاقات رسمية مع إسرائيل.
هذا التوجه لم يتراجع مع مرور الوقت، بل عاد الزبيدي ليؤكده في سبتمبر 2025، معتبرًا أن الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام يمثل “خيارًا طبيعيًا” للجنوب، وأن الظروف باتت مهيأة لإعلان الانفصال. عند هذه النقطة، لم يعد التطبيع مجرد موقف نظري، بل جزءًا من رؤية سياسية تربط مشروع الدولة الجنوبية بتحالفات إقليمية جديدة.
اتصالات تتجاوز السرية
تقارير صحفية غربية، بينها ما نشرته صحف بريطانية، تحدثت عن لقاءات مباشرة جمعت وفودًا من المجلس الانتقالي بمسؤولين إسرائيليين، ناقشت ملفات أمنية حساسة، أبرزها مواجهة جماعة انصار الله وتأمين خطوط الملاحة في باب المندب.
وجاءت هذه الاتصالات في سياق تعاظم سيطرة المجلس على مناطق استراتيجية مثل عدن وسقطرى وأجزاء من حضرموت والمهرة، ما عزز من موقعه التفاوضي، وجعل منه، في نظر إسرائيل، شريكًا محليًا محتملًا.
تعاون أمني يثير القلق
إلى جانب الاتصالات السياسية، أشارت تقارير بحثية إلى وجود تعاون استخباراتي غير معلن، شمل تدريب عناصر من قوات “الأحزمة الأمنية” عبر شركات إسرائيلية خاصة، بدعم إماراتي. ورغم غياب التأكيدات الرسمية، إلا أن تكرار هذه المعطيات عزز المخاوف من تحوّل جنوب اليمن إلى موطئ قدم استخباراتي جديد لإسرائيل على البحر الأحمر.
في حين يرى مراقبون أن هذه الخطوات لا تنفصل عن استراتيجية إسرائيلية أوسع لإعادة التموضع في الممرات البحرية الحيوية، عبر شراكات غير مباشرة مع قوى محلية، بدلًا من الحضور العسكري العلني.
انقسام داخلي لم يُحسم
في المقابل، لم يحظَ هذا المسار بإجماع جنوبي. فقد برزت أصوات رافضة للتطبيع، أبرزها حسن باعوم، الذي شدد على أن الجنوبيين لا يمكن أن يقبلوا بأي علاقات مع إسرائيل قبل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة.
هذا الانقسام يعكس فجوة بين قيادة المجلس وشرائح واسعة من الشارع الجنوبي، ويطرح تساؤلات حول شرعية قرارات مصيرية تُتخذ في ظل غياب تفويض شعبي واضح، خصوصًا في بلد ما تزال القضية الفلسطينية فيه جزءًا من الوجدان العام.
رهانات اقتصادية خلف الخطاب
اقتصاديًا، لم يُعلن عن مشاريع مشتركة حتى الآن، غير أن مراقبين يرون أن الجنوب يُقدَّم كورقة استثمارية مستقبلية في حال نال اعترافًا دوليًا، خاصة في قطاعات الموانئ والملاحة. وفي هذا الإطار، يستخدم المجلس ملف التطبيع كأداة ضغط سياسية واقتصادية، في ظل أزمته المالية وحاجته إلى دعم خارجي لإدارة مناطقه.
البحر الأحمر… العقدة الكبرى
يتزامن هذا كله مع تصاعد المخاوف الدولية من هجمات جماعة انصار الله على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ما جعل تأمينه أولوية إقليمية ودولية. دخول إسرائيل إلى هذه المعادلة عبر بوابة المجلس الانتقالي يفتح الباب أمام مزيد من عسكرة الممرات البحرية، وتحويلها إلى ساحة تنافس استخباراتي وعسكري معقّد.


