الجنوب اليمني: ترجمة خاصة
كشف تحليل جديد نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن تورط دولة الإمارات العربية المتحدة في توظيف مرتزقة كولومبيين للقتال ضمن صفوف قوات الدعم السريع في الصراع الدامي الدائر في السودان. تأتي هذه الاتهامات بعد تقديم الخرطوم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تتضمن أدلة على تمويل أبوظبي ونشرها لمرتزقة أجانب بهدف تقويض السلام والأمن وسيادة السودان.
في حادثة بارزة الشهر الماضي، تمكنت القوات الجوية السودانية من إسقاط طائرة إماراتية كانت تقل 40 مرتزقًا كولومبيًا إضافة إلى شحنة أسلحة ومعدات موجهة لقوات الدعم السريع في إقليم دارفور. وأكدت تقارير مقتل المرتزقة الذين كانوا على متن الطائرة، في حين نفت الإمارات مسؤوليتها عن الحادث، ولم ترد وزارة الخارجية الكولومبية على طلبات التعليق.
ويُعتقد بحسب تحقيقات ومصادر أممية أن ما يصل إلى 380 مرتزقًا كولومبيًا يخدمون في السودان ضمن كتيبة “ذئاب الصحراء”، التي تضم بشكل كامل قدامى المحاربين من الجيش الكولومبي. وتُعتبر هذه المجموعة من المرتزقة ذات خبرة قتالية عالية وانضباط جيد، وهو ما يجعلهم مطلوبين في الحروب غير النظامية الحديثة. ويُبرز الباحث شون ماكفيت من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن أن المرتزقة الكولومبيين يتمتعون بكفاءة عالية وتكلفة أقل مقارنة بالمرتزقة من جنسيات أخرى.
يُشار إلى أن الإمارات ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها على خدمات المرتزقة الكولومبيين، إذ تعاقدت معهم في 2015 للقتال ضد الحوثيين في اليمن.
وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه أبوظبي لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر أدوات غير رسمية مثل شركات الأمن الخاصة والمرتزقة.
ويواجه العديد من المحاربين القدامى في كولومبيا ظروفًا اقتصادية صعبة، مع معاشات تقاعدية متواضعة تضعهم أمام خيارات محدودة، ما يدفعهم لقبول عروض العمل كمرتزقة برواتب تفوق بكثير ما يتقاضونه في خدمة القوات النظامية. وتم تجنيد الكثير منهم عبر وعود كاذبة بحراسة منشآت أو تدريب جنود، قبل نقلهم قسرًا إلى جبهات القتال في السودان.
ويستمر الصراع في السودان منذ أبريل 2023 بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع، مخلفًا خسائر بشرية تقدر بين 20 ألفًا و150 ألفًا، ونزوح أكثر من 14 مليون شخص، مع انتشار واسع للانتهاكات التي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ورغم الجهود التشريعية التي بدأها الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو لمنع تجنيد المرتزقة الكولومبيين وإشراكهم في الصراعات الأجنبية، إلا أن الخبراء يشيرون إلى صعوبة تنظيم هذه الصناعة بسبب غموض نشاطها وتعقيدها الدولي، بينما تستمر دول مثل الإمارات في الاستفادة من خدمات المرتزقة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية.
يُعد هذا الملف جزءًا من واقع متشابك يعكس العلاقة بين الصراعات الإقليمية والدولية واستخدام المرتزقة كأدوات لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية بعيدًا عن الأطر القانونية المعترف بها.