الجنوب اليمني: تقرير خاص
أعلنت المملكة العربية السعودية عن تقديم منحة اقتصادية جديدة لليمن بقيمة 1.380 مليار ريال سعودي، ما يعادل نحو 365 مليون دولار أمريكي، تُخصص لدعم الحكومة وتمويل مشاريع تنموية في ظل أزمة مالية خانقة تشهدها البلاد.
وسط ترحيب جزئي بالدعم، أثارت الخطوة موجة من الانتقادات الحادة داخل الأوساط السياسية والاقتصادية، حيث حذر خبراء وناشطون من أن هذه المنحة قد تتحول إلى أداة لابتزاز سلطات اليمن، وتقويض مكانتها السياسية والاقتصادية.
وأوضح الخبير الاقتصادي وفيق صالح أن المبلغ يُعد دعماً مهماً في المدى القريب، إذ سيساهم في تغطية جزء من العجز المالي، وتسهيل صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين الذين لم تتمكن الحكومة من دفعها منذ خمسة أشهر. وأشار إلى أن تدفق العملة الأجنبية سيساعد البنك المركزي على تجنب اللجوء إلى طباعة النقود، ما يقلل من التضخم المتنامِي ويُسهم في استقرار سعر الصرف.
وقال إن “الاستقرار المالي لا يُبنى على الودائع فقط، بل على بنية اقتصادية قادرة على الصمود، وتمكين المؤسسات العامة من توليد الدخل، وإشراك القطاع الخاص في تحمل عبء التنمية، ما يسهم في بناء قاعدة اقتصادية أكثر مرونة وعافية”.
وأشار صالح إلى أن غياب خطط هيكلية لتنمية الموارد الذاتية، مثل دعم الصادرات الخارجية وترشيد الإنفاق، سيؤدي إلى استمرار الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي، ما يُفاقم الأزمة على المدى الطويل ويجعل الحكومة عرضة لضغوط سياسية.
ولفت إلى أن الدعم لا ينبغي أن يُنظر إليه كحل دائم، بل كأداة مؤقتة تتطلب تنفيذ إصلاحات جذرية، مضيفاً أن “الاستفادة الحقيقية من هذه الوديعة تتطلب تفعيل موارد داخلية، وبناء قدرات مؤسسية قادرة على إدارة الموارد وتحقيق الاكتفاء الذاتي”.
جدل واسع
وأثارت التصريحات جدلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شارك ناشطون وكتاب مقالات انتقادات حادة ضد ما وصفوه بـ”سياسة الاستعلاء” في التعامل مع اليمن.
ونقل الناشط سيف الحاضري عن مصادر سياسية قولها إن “المنحة السعودية، قبل أن تكون دعماً، تمثل إهانة للشرعية اليمنية وانتقاصاً من كرامة الشعب”، معتبراً أن الحكومة الشرعية تستطيع الحصول على مثل هذا المبلغ من مليارديرات يمنيين دون التعرض للإهانة.
وأشار الحاضري إلى أن سياسات الرياض في اليمن تتناقض مع مبادئ الشراكة الاستراتيجية التي تُعلن عنها، موضحاً أن توقيع اتفاقية دفاع مع باكستان يُظهر حرصاً على الأمن الإقليمي، بينما تستمر في تقوية المكونات المسلحة على حساب المؤسسات الدستورية، ما يهدد أمن المنطقة بأكملها.
وأضاف أن “هذا التناقض يُظهر تناقضاً خطيراً في الرؤية، حيث تُعزز السعودية شراكات دفاعية في أماكن أخرى، وفي المقابل تُسهم في تعميق الفوضى في اليمن، مما يضعها أمام خيار واضح: إما مراجعة سياستها بمنظور استراتيجي، وإما الدفع باتجاه تقويض أمنها القومي عبر تحويل اليمن إلى ميدان صراع إقليمي”.
من جانبه قال الناشط توفيق أحمد إن الدعم السعودي المعلن يشكل مجرد جرعة مسكن إعلامي، أرقام تستخدم للاستهلاك والدعاية، بينما الشعب يرزح تحت وطأة تدهور الأوضاع المعيشية. وأكد أن الحل الحقيقي يكمن في رفع الوصاية المفروضة على اليمن، وتمكين البلاد من الاعتماد على ثرواتها وسيادتها الوطنية.
وأضاف أن منع تصدير النفط والغاز اليمني وتعطيل الموانئ الحيوية يعرقلان أي خطة للنهوض بالاقتصاد، مشيراً إلى أن ترقية الدعم لا تعالج الأزمة الحقيقية التي تتجسد في انهيار العملة وارتفاع الأسعار المتواصل.
وأكد مراقبون أن التحدي الأكبر لا يكمن في حجم الدعم، بل في شروطه ومدى تأثيره على سيادة الدولة، مشددين على أن أي دعم يجب أن يكون مبنياً على الشراكة، لا الانتداب، ويُراعى فيه مبدأ الكفاح ضد الفساد، وتعزيز الشفافية، وتمكين المؤسسات من توليد دخلها.
وأشارت مصادر في الحكومة اليمنية إلى أن التمويل الجديد سيُخصص لدفع رواتب الموظفين في الأشهر القادمة، وتمويل مشاريع في قطاعات الصحة والتعليم، لكنها حذرت من أن “الاعتماد على الدعم الخارجي لا يُلغي الحاجة إلى إصلاحات داخلية، ولا يغطي العجز الهيكلي في الميزانية”.
في حين تواصل السعودية تبرير سياساتها، مؤكدة أن الدعم يأتي في إطار التزامها بدعم الاستقرار في اليمن، ومواجهة التهديدات الإقليمية، لكنها تجد نفسها عاجزة عن تأمين مخرجات من هذا الدعم إلا من خلال شراكات مبنية على مصالح مشتركة ودعم مؤسسات حكومية.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستكون هذه المنحة نعمة أم نكبة؟ وهل ستساهم في إعادة بناء اليمن، أم ستُستخدم كأداة لاستمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية؟