أفقروهم وأجبروهم على التسول ثم منعوهم..

5 أكتوبر 2024آخر تحديث :
أفقروهم وأجبروهم على التسول ثم منعوهم..
أحمد علي القفيش
أحمد علي القفيش

الجنوب اليمني | مقالات

تملكتني الدهشة وأنا أقرأ ذلك القرار، وكأن التسول عمل أختياري، وأن تلك السلطات وفرت للمواطنين فرص العمل، التي تضمن لهم سبل العيش الكريم، دون الإمتهان وسؤال الناس عن حاجتهم.

إن ازدياد ظاهرة التسول مسألة لا تحتاج إلى قرارات لمنعها، بل تحتاج إلى قرارات لمنع الجبايات والرسوم الغير قانونية، والتي فرضت على كل الأنشطة والمهن والسلع الغذائية والإستهلاكية، وأصبحوا يقاسمون المواطن في قوته وفي جهده وفي عرقه، بما لا يقل عن نسبة 10% من دخله ومثلها في نفقاته على مرحلتين.

المرحلة الأولى مرحلة العمل

ضيقت سلطات الأمر الواقع على المواطن في كل سبل الحياة، تعمل فرشة ممنوع الا بأتاوات، تشتري متر يصادروه، تشتري بوزة ماء لازم تدفع، تفتح محل كل يوم يأتي إليه محصل، يوم مندوب الأشغال ويوم مندوب السلطة المحلية ويوم مندوب التحسين ويوم الضرائب وكلها مخالفة للائحة الموارد المالية، حتى العمل العضلي في البناء أصبح معظم العمال فيه معطلين، بسبب التعقيد في تراخيص البناء، وتراجع أعمال العمران، يعني باختصار أي شغل يأتي على بالك إما ممنوع، وإما لازم تدفع نسبة كبيرة من عرقك وجهدك لبرامكة العصر.

المرحلة الثانية مرحلة الإنفاق

بعد رحلة الكفاح والعمل وما يرافقها من تضييق، وفرض رسوم جائرة على كل المهن، ومقاسمة العمال وأصحاب المهن والسائقين، في كل ريال يحصلون عليه من عرقهم وجهدهم، ينتقلوا إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة الإنفاق وتوفير الإحتياجات الضرورية لهم ولأسرهم، وتبدأ مرحلة جديدة للدفع ومقاسمتهم في كل لقمة تنزل إلى بطونهم، وأي سلعة يستهلكونها، حتى مجرد أن تفكر تدخل مطعم لأكل أحدى الوجبات، تدفع مبلغ إضافي بأسم السلطة المحلية، لكن هذه المرة لا يكون الدفع فيها إختاري بل إجباري وغير مباشر، والتاجر هو من يدفع ويضيفها على المواطن في سعر الكلفة.

فلا عجب إن أصبح 80% من الشعب متسولين طالما يحاصرهم جشع المتنفذين من كل مكان، ويأخذ من دخلهم ومن إنفاقهم دون حسيب ولا رقيب، والمصيبة الأكبر أن هذه الجبايات لا تورد في خزينة الدولة، ولا تخضع للرقابة والمحاسبة، ولا يتم تسخيرها في توفير الإحتياجات الضرورية، والخدمات العامة والمشاريع التنموية، بل تذهب إلى جيوب أشخاص متنفذين وفاسدين، ومع كل فاسد واحد يظهر، كفيل بأن تزداد نسبة المتسولين إلى المئات.

نحن بحاجة إلى قرارات تقضي بمحاسبة المتنفذين، ومعرفة أين تذهب الجبايات، وتنظيم عملية تحصيل الموارد المالية وفق اللائحة الخاصة بها، وتطبيق مبدأ الشفافية وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والقضائية، ومحاكمة الفاسدين والمتنفذين، وسوف تقل نسبة المتسولين، فكل ما زادت نسبة الفساد، أرتفعت نسبة الفقر.