الجنوب اليمني: خاص
أعلنت بعثة صندوق النقد الدولي عن نتائج أولية لزيارة رسمية إلى اليمن، استمرت عدة أسابيع، تُعدّ أول تفاعل مباشر مع السلطات منذ أكثر من عقد من الانقطاع بسبب الحرب الدائرة منذ 2014.
وتُعد هذه الزيارة جزءًا من المشاورات الدورية بموجب المادة الرابعة، وتهدف إلى تقييم الأداء الاقتصادي والوضع المالي للبلاد في ظل أزمة إنسانية حادة وانهيار اقتصادي متواصل.
وأكدت البعثة أن اليمن يواجه واحدة من أسوأ التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العالم، حيث شهدت البلاد انكماشًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 27% على مدى العقد الماضي، وانهيارًا في قيمة العملة، وارتفاعًا متسارعًا في التضخم، ليصل إلى 27% في 2024، ثم يتجاوز 35% مطلع 2025. ويعود السبب الرئيسي إلى توقف صادرات النفط منذ 2022، مع انعدام إمكانية تمويل الواردات، ما حوّل اليمن من مُصدر إلى مستورد للنفط.
وأشارت التقارير إلى أن التدهور المالي تفاقم مع انخفاض الإيرادات الحكومية من 22.5% من الناتج المحلي إلى أقل من 12% في 2024، في حين ارتفع الدين العام إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تراكم متأخرات لغالبية الدائنين الخارجيين.
كما انخفضت تغطية الاحتياطيات الدولية إلى أقل من شهر من الواردات، على الرغم من الدعم المالي السعودي الذي وصل إلى نحو ملياري دولار خلال 2023-2024.
وأوضح الموظفون أن الاقتصاد تقلص للعام الثالث على التوالي في 2024، مع انكماش ناتج محلي بنسبة 1.5%، نتيجة تراجع الاستهلاك، وتوقف الإنتاج، وانعدام التمويل. إلا أن هناك مؤشرات مطمئنة، إذ سجل عجز الحساب الجاري انخفاضًا ملحوظًا من 40.6% في 2022 إلى متوسط 14.5% في 2023-2024، مدفوعًا بتدفقات تحويلات قوية ودعم من المنح الثنائية.
وأفادت البعثة بأن تدابير تثبيت سعر الصرف التي اتخذتها الحكومة في أغسطس 2024، بما في ذلك إنشاء لجنة وطنية لتنظيم الواردات، وفرض قيود على صرف العملات الأجنبية، وإلغاء تراخيص صرّافين مخالِف، ساهمت في استقرار الريال اليمني وانخفاض التضخم الجزئي. وتشير التوقعات إلى تراجع التضخم في النصف الثاني من 2025، رغم بقاء الاستهلاك الخاص ضعيفًا.
وأشارت تحليلات صندوق النقد إلى أن التوقعات المستقبلية تُظهر تحسّنًا تدريجيًا، مع توقع نمو اقتصادي معتدل بنسبة 0.5% في 2025، ثم يرتفع إلى 2.5% بحلول 2030، مدفوعًا بزيادة الصادرات غير النفطية، وتدفقات التحويلات، وإنتاج الكهرباء من النفط المكرر. كما تُعد الخطة الزراعية المحلية، وتسريع تنفيذ مشاريع التنمية، من الركائز الأساسية للتحول نحو الاستقلال التمويلي.
ولكن، حذّر التقرير من مخاطر متعددة، سواء محلية أو خارجية. على الصعيد المحلي، قد يُعطل تجدد الصراع أو تفاقم الاضطرابات الاجتماعية جهود الإنقاذ، بينما تُعتبر فرص استئناف صادرات النفط مرهونة باتفاقات سلام محتملة. أما على الصعيد الخارجي، فإن ارتفاع أسعار النفط أو السلع العالمية، أو تراجع الدعم الخارجي، قد يؤدي إلى تفاقم العجز، وزيادة الضغوط على الاحتياطيات، وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وفي هذا السياق، أبرزت البعثة ضرورة إصلاحات هيكلية عميقة، بدءًا من إعادة هيكلة الإيرادات، عبر ربط أذونات الإنفاق بتحويلات المحافظات، وتوحيد الرسوم الجمركية، وتحسين جمع الضرائب عبر تطبيق تقييم جمركي بأسعار السوق. كما أشارت إلى الحاجة إلى ترشيد الإنفاق، لا سيما في قطاعات الكهرباء، عبر تحسين التعرفة، ووقف الاتفاقات غير المجدية، ومكافحة الفساد.
وأكدت البعثة على أن البنك المركزي اليمني يجب أن يواصل سياسة الحد من التمويل النقدي، ويحافظ على سعر صرف يُحدده السوق، مع ضرورة توسيع الرقابة على البنوك لضمان الاستقرار المالي. ورغم تحسن الوضع مؤخرًا، فإن تقلص الاحتياطيات يُشكل عبئًا كبيرًا، ما يستدعي مفاوضات جادة مع الدائنين لاستعادة استدامة الدين العام.
وأكدت البعثة أن الدعم الخارجي الإضافي، مثل الحزمة السعودية البالغة 368 مليون دولار التي أُعلنت في سبتمبر 2025، ودعم الإمارات، يُعدّ حيويًا لتحقيق الاستقرار، لكنه لا يكفي لوحده.
وتشير التحليلات إلى أن استعادة التوازن المالي تتطلب جهودًا مزدوجة: مواجهة التحديات القصيرة الأجل، ووضع خطة طويلة المدى لإصلاح المؤسسات، وتنمية القطاع الخاص، وتحسين الحوكمة.
وأعربت البعثة عن تقديرها للتعاون الممتاز مع السلطات اليمنية، مشددة على أن النجاح يعتمد على التزام سياسي، واستمرارية الدعم الدولي، وتنفيذ الإصلاحات بإرادة حقيقية. واعتبرت أن اليمن لم يفقد أمله، لكنه يحتاج إلى مساعدة واعية،