الجنوب اليمني: متابعات
تصاعدت في الأيام الأخيرة الدعوات إلى إقالة رئيس الوزراء أحمد بن مبارك .. الدعوات التي تأتي على خلفية الانهيار، الذي أصاب العملة الوطنية، جاءت على شكل هجوم حاد تحمِّله مسؤولية ما يحدث.
لا يمكن تبرئة بن مبارك بوصفه رئيسا للحكومة وجزءا من السلطة خلال السنوات الماضية، لكن ألم يكن رئيس المجلس الرئاسي هو ذاته من قاد عملية تراجع الحكومة عن قراراتها الاقتصادية بخصوص ملف البنوك قبل أشهر متهما المعارضين بأنهم لا يفهمون ما الذي سيغيّره إبعاد بن مبارك؟ وهل سيتغيِّر وضع الشرعية إلى الأفضل؟
شلل تام
يقول الكاتب عادل الأحمدي: “كنت أحد المستبشرين بتعيينه (أحمد عوض بن مبارك)، وكتبت حينها مقالا حصّلت بسببه على هجوم كبير من الزملاء”.
وأضاف: “كثير من الناس يقولون لماذا تستبشر بهذا الرجل؟ قلنا لهم طبيعي؛ لأنه لا بُد أن يأخذ فرصته”. وتابع: “ولكن -للأسف- طبعا أنا لازلت الآن في طريقي من عدن ومن تعز، وجئت من الداخل، أعرف ماذا يعني أن يصعد الريال، أو أن يصعد الدولار مقابل الريال”.
وأوضح: “كيف تتراجع القدرة الشرائية للناس، ليس للناس أي إمكانية للصمود إلا من لديهم مثلا تحويلات بالعملة الصعبة من الخارج”.
وزاد: “الموظف، الذي كان يستلم ما يعادل مثلا 300 دولار، الآن لا يستلم ما يعادل 200 ريال سعودي”، واصفا ما يحدث الآن بالكارثة.
وأشار إلى أن “مجلس القيادة الرئاسي عليه كثير من الملفات السياسية والعسكرية والدبلوماسية الخارجية، بينما نحمّل الاقتصاد مجلس الوزراء، والدكتور أحمد عوض مبارك بدرجة أساسية، مثل ما كنا نحمل من قبل الدكتور معين عبد الملك، ومن قبله الدكتور أحمد عبيد بن دغر”، ويرى أنه “ليس في المسألة أي استهداف شخصي”.
واستطرد: “ثانيا -وهو الأهم- هناك أيضا عبارة عن مغالطات كبيرة جدا، ونوع من الفذلكة والفهلوة يمارسها رئيس الوزراء وطاقمه، لا تنم أبدا عن أي إحساس بالمسؤولية، ولا تدل على أي رؤية حقيقية لتلافي مثل هذا التسارع الكبير جدا في الانهيار الحاصل للعملة”.
وقال: “أنا أخشى أنهم يكونوا أداة من أدوات هذا التسارع وأحد صُناعه، ليس فقط أنهم فشلوا في الحد من التسارع”. وأضاف أن الانهيار في السابق لم يكن رُبع أو خُمس السرعة أو الكيفية الموجودة الآن وأوضح: “بن مبارك أصاب كل المؤسسات الحكومية والدوائر والوزارات بالشلل التام”.
وتابع: “كان في نوع من المعالجات الملموسة عندما يجتمع رئيس الوزراء -مثلا- مع أي لجنة اقتصادية، ويُصدر عنها قرارات، نلاحظ بعد ذلك تأثرا إيجابيا في سعر الصرف”.
وزاد: “الآن لا اجتماعات يومية، وسعر الصرف إلى الهاوية؛ لأنه لا توجد لا خبرة ولا مسؤولية ولا إحساس حتى بالحياء أمام المواطن اليمني”. وقال: “إن لم يكن الرجل على قدر المسؤولية فليتنحّى، لماذا يحرق جانبه بالطريقة هذه؟ لماذا يوقف الجيش؟”.
وأضاف: “أعتقد أنه لا يوجد أحد مرّ بهذا الضعف، وهذا السوء، والآن تارك الأمور كلها بيد أنيس با حارثة” وأوضح: “نحن أمام هوامير تحمي الفساد، ومن المعيب أن يظل مثل هذان الشخصان موجودين بعد هذه المواقف (بن مبارك وأنيس باحارثة)”.
ويرى أن “مجلس القيادة الرئاسي ارتكب خطأ كبيرا بتعيينه لأحمد عوض بن مبارك، وفي إبقائه الآن على أنيس حارثة” وأشار إلى أن “أي تراجع في الملف العسكري، أو في الملف السياسي، نحمّله مجلس القيادة الرئاسي”.
ونفى الأحمدي أن يكون رئيس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، قد “ألزم موظفا واحدا يعمل خارج اليمن بالعودة إلى اليمن، أو أوقف ما يسمى بالإعاشة والمخصصات”، مؤكدا أنه “لم يوقف إلا مخصصات وزارة الدفاع؛ ومستحقات وتغذية وعلاوات الجيش”.
ولفت الأحمدي إلى أن “هناك مناهج فساد هائلة جدا”، مؤكدا أنه تم “إيقاف التغذية والنثريات، وتم إيقاف العلاوات على وزارة الدفاع منذ خمسة أشهر، ونحن في حالة حرب”، متسائلا: “من يخدم هذا الكلام؟”.
وبيّن أن “أحمد عوض مبارك موعود بأنه سيكون رئيسا توافقيا، وأن الحوثيين يوصلون له رسائل أنه إذا أدرت فترتك بطريقة رمادية مائية فإنك ستكون الرئيس القادم، إذا تم هناك فرض خارطة الطريق”.
صراع إقليمي
يقول أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبد الباقي شمسان: “هنالك صراع داخل الحقل السياسي ومكوناته حول رئيس الوزراء وحول المنافع والمناصب هذا طبيعي”.
وأضاف: “عندما نناقش موضوع بهذه الأهمية، ثم نعود قليلا للوراء، نلاحظ أن هذه الحملة كانت متابعة سابقا بن دغر، ثم معين عبد الملك، ثم رئيس الوزراء بن مبارك، هنا يأتي السؤال”.
وتابع: “أنا لا أنفي أن هنالك فسادا، وأن هنالك خللا في أداء هذه الحكومة، لكن هل خلل السياسات الاقتصادية يعود لرئاسة الحكومة، أم أن كل رئيس وزراء يأتي ونحن نحمله فشل السياسات، أم أن الخلل هيكلي؟”.
وزاد: “أنا أعتقد أن الخلل بنيوي وهيكلي ومصنوع؛ تم صناعته من دول الإقليم” وأشار إلى أن “الحكومة ليس لديها ميزانية تقدّم أمام البرلمان، أو تحاسب، أو لديها إستراتيجيات”.
واستطرد: “إذا افترضنا أنها لديها خطة تنموية وإستراتيجية، هل هي من يدير حياة المواطنين؟ وهل هي قادرة على إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ووضع برامج وسياسات وتطبيقها في الواقع؟”.
وأكد أن “الخلل أكبر من رئيس الوزراء؛ لأنه لا يدير دولة، ولا قادر على ممارسة السيادة اليمنية، ولا هو حتى معيّن وفقا لأسس ديمقراطية، وعُين بتوافقات إقليمية، وبالتالي هناك صراع إقليمي، وهناك ترتيب للداخل”.
ويرى شمسان: “إذا أردنا إصلاح علينا أن نستعيد مؤسسات الدولة”، مبيّنا أن هناك “في المناطق (المحررة) فساد، وهوامير فساد، وحرب اقتصادية”، مؤكدا أن “دول الإقليم تريد بقاء هذا الشعب ضعيفا، وهنالك توجّه آخر لإيجاد نموذج حكومة فاشلة”.
وتساءل: “إضعاف الجيش الوطني، إضعاف السلطة، هل هذه العمليات كلها تلقائية أو بريئة، أم أن هنالك من يريد أن يفرض علينا حلولا؟”.
وقال: “عندما نريد أن نخرج من هذه الدوامة على المنظمات المدنية والحقوقية أن تعد ملفات تكشف أين الخلل في تدهور العملة، وتظهره للرأي العام”.