الجنوب اليمني: خاص
أصدرت السلطة المحلية بمحافظة حضرموت بيانًا حذّرت فيه من دعوات تصعيدية وحشود تراها تهديدًا مباشرًا لوحدة الصف والسلم الأهلي، في خطوة تعكس حساسية المشهد السياسي والأمني داخل المحافظة التي تشهد تنافسًا متسارعًا بين أطراف محلية وإقليمية.
مخاوف من انفلات أمني وقوى موازية
شدد البيان على أن القوات الأمنية والعسكرية الشرعية هي الجهة الوحيدة المخوّلة ببسط الأمن داخل المحافظة، في إشارة إلى مخاوف من تحركات ميدانية لتشكيل قوى موازية خارج المؤسسات الرسمية.
وبرزت في الأيام الماضية دعوات للحشد قد تنعكس على شكل نقاط نفوذ جديدة أو اصطفافات قد تُقرب المحافظة من احتمالات صدامات مسلحة، ما دفع السلطة المحلية لإطلاق تحذيرات مبكرة خشية دخول حضرموت في دائرة التوتر.
ويرى مراقبون أن السلطة تستشعر هشاشة الوضع الأمني، وأن استمرار هذه الدعوات دون ضبط قد يفتح الباب أمام انزلاق خطير يهدد الاستقرار الذي حافظت عليه حضرموت لسنوات مقارنة ببقية المحافظات.
رسائل سياسية تؤكد الاصطفاف مع الشرعية
سياسيًا، حمل البيان تأكيدًا واضحًا على التزام حضرموت بالمؤسسات الشرعية، في ظل تنافس متصاعد بين قوى سياسية وعسكرية تسعى لفرض حضور أكبر داخل المحافظة.
وتثبت السلطة المحلية من خلال هذا الموقف تموضعها ضمن الدولة، في مواجهة أي مشاريع تحاول فرض واقع جديد عبر أدوات غير رسمية أو قوى ميدانية.
كما تضمن البيان إشادة بدور التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، واعتبر دعمه عنصرًا أساسيًا في حفظ الأمن والاستقرار، في خطاب يُقرأ كتعزيز للغطاء الإقليمي لموقف السلطة.
لكن… بين الإشادة والواقع: قراءة نقدية لدور التحالف
ورغم الإشادة الرسمية بدور التحالف واعتباره رافعة إقليمية داعمة، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى تمركز عسكري واسع للسعودية والإمارات في مواقع استراتيجية داخل حضرموت، وهو حضور يهدف – وفق محللين – إلى ضمان مصالحهما الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية في المحافظة.
ويذهب مراقبون إلى أن هذا التمترس العسكري، مهما حمل من مبررات تتعلق بمكافحة الإرهاب أو دعم الشرعية، إلا أنه ينعكس عمليًا على شكل سقف نفوذ يقيّد حرية القرار المحلي ويُبقي المحافظة تحت معادلات حساسة لا يستطيع الفاعل المحلي تجاوزها.
كما يرى آخرون أن هذا الوجود الطويل الأمد أحدث تناقضًا واضحًا بين خطابات دعم الاستقرار، وبين إدامة حالة الهشاشة السياسية التي تسمح ببقاء النفوذ الإقليمي فاعلًا ومؤثرًا في تفاصيل المشهد، الأمر الذي يجعل المجتمع المحلي الحلقة الأكثر تعرضًا لتداعيات التداخلات الخارجية، سواء على مستوى السلم الأهلي أو توزيع مراكز القوى داخل المحافظة.
استباق للتوتر وتثبيت لمعادلة النفوذ
إجمالًا، يكشف البيان عن محاولة مزدوجة من السلطة المحلية:
– احتواء البعد الأمني ومنع تشكل قوى موازية.
– وتثبيت الهوية السياسية لحضرموت ضمن الدولة، مع الحفاظ على دعم التحالف كعامل إقليمي مهم رغم تعقيداته.
غير أن القراءة التحليلية توضح أن المحافظة تقف وسط شبكة مصالح متداخلة، محلية وإقليمية، تجعل أي دعوة للتصعيد أو الحشد أكثر حساسية مما تبدو في ظاهرها.
حضرموت اليوم أمام مشهد مركب يتداخل فيه الأمني بالسياسي والإقليمي، فيما يعكس البيان الأخير رغبة السلطة المحلية في تطويق عوامل التوتر قبل تحوّلها إلى احتكاكات مفتوحة، وسط بيئة شديدة الهشاشة تتأثر بتوازنات الداخل وبمصالح دول الجوار على حد سواء.

