الجنوب اليمني: أخبار - الجنوب
يتسع الجدل الحقوقي حول وضع الحريات الصحفية في المحافظات الجنوبية مع تصاعد الاتهامات الموجّهة للمجلس الانتقالي الجنوبي بارتكاب سلسلة من الانتهاكات بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية منذ إحكامه السيطرة على عدن ومحافظات أخرى خلال سنوات النزاع. وتشير تقارير حقوقية دولية إلى نمط متكرر من قمع الفضاء المدني، يتضمن الاعتقال التعسفي، التعذيب، والملاحقة القانونية القائمة على تهم ملفقة.
خلال الفترة من 2021 إلى 2024، وثّقت منظمات بينها هيومن رايتس ووتش ولجنة حماية الصحفيين والمنظمة الوطنية للإعلاميين (صدى) حالات متعددة لصحفيين احتجزهم المجلس الانتقالي أو أخضعهم للملاحقة. من أبرزها اعتقال الصحفي أحمد ماهر في عدن عام 2022، واحتجاز شقيقه مياس معه للضغط عليه للاعتراف بتهم لم تُثبت. وأفادت العائلة بتعرضهما للضرب وسوء المعاملة خلال الأشهر الأولى من الاحتجاز.
كما تشير شهادات ميدانية إلى استخدام سلطات المجلس تهديدات قضائية وأوامر استدعاء لا تستند إلى أساس قانوني كأداة لإسكات الأصوات الناقدة. وتلقت الصحفية منى المجيدي في 2023 استدعاء من الأجهزة الأمنية بعد تعليق صحفي انتقد أداء أحد مسؤولي المجلس في واقعة وصفتها نقابة الصحفيين اليمنيين بأنها “تضييق مباشر على حرية الرأي”.
وبالتوازي مع هذه الإجراءات، توسّعت سيطرة المجلس على المؤسسات الإعلامية في عدن ومحافظات أخرى. فقد استولى على مكاتب وكالة سبأ، وصوت اليمن، ويمن لايف، إضافة إلى مكتب نقابة الصحفيين في عدن، وجرى استبدال طواقم العمل بصحفيين موالين للمجلس أو مرتبطين به. وقال محمود ثابت، رئيس نقابة الصحفيين في عدن، إن النقابة باتت تعمل “بسرية خوفاً من الانتهاكات التي قد تطال أعضائها”.
العديد من الصحفيين الجنوبيين أكدوا لـ هيومن رايتس ووتش” أنهم يواجهون عراقيل مباشرة في السفر والتنقل، سواء بين المحافظات أو عبر مطارات عدن وحضرموت، خشية الاحتجاز بسبب منشور أو تقرير ينتقد أداء السلطات. بعضهم يعمل تحت أسماء مستعارة، بينما اضطر آخرون لمغادرة البلاد بالكامل.
وتشير بيانات مرصد الحريات الإعلامية لعام 2024 إلى أن ثمانية من الصحفيين الذين احتُجزوا خلال العام كانوا في مناطق تخضع لسيطرة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، ما يعكس – بحسب المرصد – تراجعاً مقلقاً في مساحة العمل الصحفي جنوباً”.
ورغم أن المجلس يبرر هذه الإجراءات بأنها “تدابير أمنية” مرتبطة بظروف الحرب، تؤكد المنظمات الحقوقية أن أنماط الانتهاكات تمثل تضييقاً ممنهجاً على حرية الصحافة، وتتناقض مع التزامات اليمن بما فيها سلطات الأمر الواقع بالقانون الدولي الذي يحظر الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري ويكفل حق الإعلام في العمل دون ترهيب.
وتثير هذه الوقائع مخاوف جدية من مستقبل حرية التعبير في المحافظات الجنوبية، في ظل غياب إصلاحات واضحة أو مساءلة حقيقية تجاه تلك الانتهاكات، الأمر الذي يدفع المزيد من الصحفيين إلى الصمت أو الهجرة، ويقوض قدرة المجتمع على الوصول إلى معلومات مستقلة وموثوقة.

