من التمرد إلى الشراكة ثم التمرد؟ أزمة المجلس الانتقالي بين الخطاب والممارسة

14 سبتمبر 2025آخر تحديث :
من التمرد إلى الشراكة ثم التمرد؟ أزمة المجلس الانتقالي بين الخطاب والممارسة

الجنوب اليمني: خاص

أثارت القرارات التي أصدرها عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، موجة من الجدل السياسي والقانوني. وشملت هذه القرارات تعيينات في مناصب حكومية عليا، مثل رئاسة الهيئة العامة للأراضي والعقارات، وتعيين وكلاء وزارات ومحافظات.

 

واعتبر سياسيون هذه الخطوات بمثابة “انقلاب” على صلاحيات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، وخروجا على اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

 

أزمات انفصام داخلية وانكشاف خطاب المظلومية الجنوبية

 

يرى مراقبون أن هناك أزمات داخلية للمجلس الإنتقالي دفعت عيدروس الزُبيدي لتبني القرارات الأحادية الأخيرة

كمخرج لتجاوزها، عبر تصعيد الصراع مع مجلس القيادة الرئاسي تمثلت هذه الازمات في حالة الانفصام بين خطاب الانتقالي وممارساته على الأرض فعلى الرغم من ادعاءاته بالسعي للإصلاح الاقتصادي وصرف الرواتب ومحاربة الفساد، إلا أن مواقف نخبه كشفت عن رفضه لكل محاولات الإصلاح الاقتصادي والرقابي.

 

فقد أصدرت هيئات المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية بياناتٍ رفضت بشكل قاطع عمل اللجان البرلمانية التي شكلها مجلس النواب بدعم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك للرقابة على الموارد الإيرادية للمحافظات والتي تختفي بلا تفسير ولا تكاد تغطي نفقات المحافظات نفسها.

 

كما رفضت نقابة الصرافين الجنوبيين الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي، نظرًا لارتباط معظم شركات الصرافة الجديدة بقيادات المجلس الانتقالي، بما فيهم رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي، والتي رأت في هذه الإصلاحات تهديدًا لأرباحها الضخمة من المضاربة بالعملات الأجنبية والتلاعب بسعر الريال دون رقيب أو حسيب.

 

وتفاقمت الأزمة مع استقالة رئيس الهيئة العامة للأراضي بسبب تعنت قيادات المجلس ورفضهم للإصلاحات التي تمس مصالحهم، والتي شكّلت محطة مفصلية في تفجير هذه الأزمة، لكونه اصطدم بشبكة النفوذ التي يديرها الانتقالي في ملف الأراضي، وهو ما دفعه لتقديم استقالته. ورغم محاولات الزُبيدي امتصاص الموقف بدفع العولقي للتراجع، إلا أنه تجاوز صلاحيات الحكومة والرئاسة بتعيين بديل له

 

كما أن خطاب “المظلومية الجنوبية” الذي يروج له الزُبيدي كان في السابق أداة فعالة لتعبئة القواعد الشعبية وكسب الدعم الإقليمي. لكن مع تراكم الأزمات الداخلية وتكشف تورط قيادات الانتقالي في ملفات الفساد، بدأ هذا الخطاب يفقد مصداقيته. فالمواطن الجنوبي، الذي يعاني من تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الرواتب، لم يعد يرى في خطاب الزُبيدي حلاً لمشاكله، بل وسيلة للتغطية على فشل المجلس في إدارة الموارد وتحقيق الاستقرار.

 

 

الدور السعودي والإماراتي

 

وكشفت مصادر سياسية مطلعة عن اتصالات مكثفة أجراها السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، مع مختلف المكونات المنضوية ضمن تحالف الشرعية، بما في ذلك عضوي مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني وأبو زرعة المحرمي.

 

وتهدف هذه الاتصالات إلى وقف التصعيد الناتج عن قرارات الزبيدي الأحادية أو تحييد عضوي مجلس الرئاسة المحسوبين على المجلس الانتقالي واضعاف الزبيدي ومناصريه وتطويعه للمصالحة ووفقا للرؤية التي قد تطرحها السعودية.

 

 

وتوقعت المصادر أن تؤدي الضغوط السعودية إلى تراجع المجلس الانتقالي عن قراراته، خاصة مع تخوف الرياض من تقويض النجاحات الاقتصادية، مثل استقرار سعر الصرف، ومن انهيار مجلس القيادة الرئاسي من الداخل.

 

كما أشارت تقارير إلى انسحاب دعم الإمارات عن قوات تابعة للمجلس الانتقالي في أرخبيل سقطرى، حيث قامت الإمارات باسترجاع معدات عسكرية وإيقاف الدعم الغذائي لقوات موالية للانتقالي ما يعكس تنافساً سعودياً–إماراتياً على النفوذ في المنطقة، وقد يكون له دور في دفع الانتقالي إلى مراجعة مواقفه.

 

 

تجديد الالتزام بالشراكة والدولة

 

رداً على هذه التطورات، أصدر المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي، أنور التميمي، بياناً مساء الجمعة يجدد فيه التزام المجلس الكامل بدعم الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة.

 

وأشاد البيان بالإجراءات الرامية إلى ترسيخ العمل المؤسسي، ودعا إلى نقل المؤسسات الحكومية والبنوك والمنظمات الدولية إلى عدن، مؤكداً استعداد المجلس لتسهيل مهامها.

 

وقد برر التميمي القرارات السابقة بأنها جاءت في إطار دعم الإصلاحات المنتظرة وتفعيل المؤسسات، لكنه في الوقت نفسه أكد على دعم المجلس للشراكة ضمن إطار مجلس القيادة الرئاسي.

 

ويرى مراقبون أن بيان المجلس الانتقالي الأخير يعكس تحولاً استراتيجياً في موقفه من تمرد وانقلاب إلى شريك حيث يسعى إلى تهدئة التوترات وإعادة تأكيد التزامه بالشراكة مع الحكومة الشرعية ضمن إطار مجلس القيادة الرئاسي في ترجمة فعلية للضغوط الاقليمية التي تفرض عليه.

 

 

إعادة إنتاج للأزمات

 

لا تخلو هذه الأزمة من إيحاءات مقلقة تشبه إلى حد كبير الأجواء التي سبقت وسادت صيف 2019، عندما سيطر الانتقالي المدعوم إماراتيًا على عدن بالقوة من الحكومة آنذاك. ذلك الصراع الذي انتهى بتوقيع اتفاق الرياض بوساطة سعودية.

 

واليوم، يبدو أن الدرس لم يُستوعب، فالاتفاقية نفسها أصبحت عرضة للانتهاك من قبل الأطراف نفسها، مما يشير إلى فشل هيكلي في المعادلة السياسية الحالية ويدفع المنطقة نحو دوامة عنف جديدة قد لا تُحمد عقباها.

 

ويبقى المشهد السياسي في اليمن هشاً ومعرضاً لأي تطورات جديدة في الصراع الإقليمي والدولي على اليمن.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
عاجل|بدء صرف مرتبات شهر يونيو 2025م ديوان وزارة الداخلية والواصلين عبر بنك الانماء.×