الجنوب اليمني:تقارير
تشعر الغالبية العظمى من الشعب اليمني بأنها تتعرض لإهانة لا سابق لها، حيث فُتح المجال واسعا لدولة الإمارات العربية المتحدة كي تدعم وتوطد وتثبت سلطة انفصالية بعقيدة سياسية إقليمية “إبراهيمية” في جنوبها.
تمضي هذه المشاريع التدميرية لليمن تحت غطاء اسمه التحالف العربي بقيادة السعودية.
وفي وقت تبدي السعودية عبر إعلامها رفضها لهذه المشاريع، لكنها على الأرض لا تفعل شيئا سوى ترك الفراغ للإمارات وأدواتها تفعل ما تشاء.
الغريب أن السعودية تسلك هذا النوع من النفاق السياسي والتخديري بنفس الآلية منذ عام 2019م، عندما بدأ الانفصاليون السيطرة على عدن، ثم أبين، وشبوة، وسقطرى، واليوم حضرموت والمهرة.
وكتوصيف واحد، أجمع اليمنيون على مقولة واحدة يرددونها في تدويناتهم ومنشوراتهم وكتاباتهم ومداخلاتهم في السوشال ميديا: (المتغطي بالسعودية عريان). وهي تعبير عن خيبة أمل وألم كبيرين نتيجة الخذلان الذي تقوم به السعودية تجاه حلفائها في الحكومة الشرعية، بينما على الأرض تواصل الإمارات بثبات العبث باليمن وتقسيمه وتحويله إلى ساحة نفوذ إسرائيلية.
يقول محمد اليافعي، في حديث لـ(الجنوب اليمني)، إن النفوذ الإماراتي وُلد طفلا، وفي أحضان المملكة، وكان يكبر ويتمدد كل يوم أمام عينيها، وهي راضية على كل ما يحصل. لقد وقعت السعودية بين وهم كماشتي الإخوان والحوثي، بينما كانت أبوظبي تحيك العبث والخبث حتى وصلت اليوم إلى حدودها الجنوبية.
ديناميكية أبوظبي وارتباك الرياض
من أين أتت الإمارات بهذا القدر من الجرأة والثقة والمقامرة، وهي تنفذ ميدانيا وعسكريا أخطر مشاريعها الجيوسياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية، دافعة بجنوب اليمن إلى حافة الانفصال، ومثبتة هذا الخيار عبر عوامل ميدانية مستحدثة تتضافر لإسناده؟
يجيب المحلل السياسي ياسين التميمي أن الإجابة تتجلى في حالة الارتباك التي تهيمن هذه الأثناء على المنافس السعودي الأقوى في معركة النفوذ على الساحة اليمنية، رغم استناده إلى فرص لا متناهية وإمكانات قل نظيرها للتفوق، لكنه يصر، بشكل لا يمكن فهمه، على تحييدها.
ويضيف التميمي: وتتجلى كذلك فيما يعانيه رأس السلطة الشرعية، الدكتور رشاد العليمي، الحليف المخلص للرياض، إذ لم يكن قويا منذ توليه هذا المنصب، ولم يمتلك الشجاعة لاستثمار الإمكانيات العسكرية المتاحة لديه، والتي تبخر جزء منها في غزوة الانتقالي لمحافظتي حضرموت والمهرة. كما عجز حتى عن إشاعة الأمل في التجمعات اليمنية المليونية التي تترقب منذ سنوات قدوم المنقذ، بينما يهيمن عليها القلق على مصير وطنها، وتعيش تحت وطأة لا تحتمل من الفقر، وانعدام الخيارات المعيشية، والإنهاك المتعمد، وعذابات النزوح الداخلي والخارجي.
اتكأت الإمارات على استثمارات سخية في بناء وحدات عسكرية بعقيدة دون وطنية، ودعمتها بالمال والسلاح، وأخضعتها خلال السنوات العشر الماضية لتجارب ميدانية، كقوات عملت تحت إشرافها في معارك منتقاة في جنوب وغرب اليمن. وقد نتج عن هذا بناء مشروعين يخضعان بالكامل للإمارات: المشروع الانفصالي ومقره مدينة عدن، ومشروع إعادة تأهيل سلطة نظام صالح المخلوع، ومركزه الساحل الغربي لمحافظة تعز، بما في ذلك باب المندب.
ويعتقد المحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني أن السعودية اليوم باتت تشعر فعليا بالخطر الكبير الذي تمثله الإمارات في اليمن والمنطقة، من خلال استجلاب الكيان الصهيوني في هذه المشاريع الخطيرة.
ويعتقد الهدياني، في حديث خاص لـ(الجنوب اليمني)، أن موضوع التصعيد الإماراتي الأخير في شرق اليمن له أبعاد صراع إقليمي أشمل بين أبوظبي والرياض في السودان والقرن الإفريقي.
وختم الهدياني تصريحه بالقول إنه لا يجوز قراءة الأحداث المحلية بمعزل عن التطورات الإقليمية، حيث نشهد حراكا سعوديا لم يشاهد مثله إلا بعد ثورات 2011م: تقارب واتفاقات سعودية مع (قطر، تركيا، السودان، باكستان، مصر، وإريتريا)، وجرى حوار سعودي إيراني برعاية الصين.
فهل تنجح السعودية في إعادة تشكيل المشهد في المنطقة بعيدا عن الإمارات؟

