الجنوب اليمني: تقارير
سبع سنوات مضت على اغتيال رجل البر والإحسان محمد عبدالله الشجينة، مدير عام جمعية الإصلاح بعدن، دون أن ترى العدالة النور أو تُكشف نتائج التحقيق في واحدة من أبرز القضايا التي هزّت الرأي العام عام 2018.
في مثل هذا اليوم، الثاني من أكتوبر، اختُطف الشجينة من الشارع العام أثناء توجهه إلى مقر عمله على أيدي مسلحين يرتدون الزي العسكري، قبل أن يُعثر عليه بعد ساعات مقتولًا داخل سيارته في مدينة خور مكسر، بالقرب من نقطة تفتيش أمنية.
العدالة الغائبة
منذ وقوع الجريمة، ظل ملف القضية حبيس الأدراج، دون أي إعلان رسمي عن نتائج التحقيق أو تحديد الجناة.
تقول أسرة الشجينة إنها طرقت جميع الأبواب، من إدارة الأمن إلى النيابة العامة، لكن الجواب واحد: “التحقيق مستمر”.
ويرى حقوقيون أن القضية أصبحت نموذجًا لتدهور منظومة العدالة في عدن، حيث تتعدد الجهات الأمنية وتتنازع الصلاحيات، في ظل غياب المحاسبة والمساءلة.
المحامي العدني (ح.س) يقول لـ”موقع الجنوب اليمني”:
“العدالة في عدن أصبحت انتقائية، تخضع لحسابات النفوذ والولاء، وليس لحكم القانون. كثير من القضايا تُغلق قبل أن تبدأ لأن المتهمين يمتلكون الغطاء الأمني والسياسي.”
تهمة الانتماء السياسي
لم يكن الشجينة مجرد مدير لجمعية خيرية، بل كان أحد أبرز وجوه العمل الإنساني في عدن، معروفًا بدعمه للأيتام والأرامل والفقراء.
لكن انتماءه السياسي إلى حزب الإصلاح جعله هدفًا سهلاً في بيئةٍ أصبحت فيها المواقف الحزبية تهمة لا تُغتفر.
وترى أسرته أن ذلك الانتماء كان سببًا رئيسيًا وراء استهدافه، خاصة في ظل سلسلة اغتيالات طالت دعاة وناشطين وسياسيين مقربين من الحزب ذاته خلال السنوات الماضية.
من يدير أمن عدن؟
تعيش عدن منذ عام 2016 واقعًا أمنيًا معقدًا، تتعدد فيه مراكز القوى وتتداخل الولاءات.
ففي حين يفترض أن تكون الأجهزة الأمنية تحت إدارة الحكومة الشرعية، تبرز في المقابل تشكيلات أخرى مدعومة من دولة الإمارات، مثل قوات الحزام الأمني وقوات مكافحة الإرهاب وقوات النخبة في بعض المحافظات الجنوبية.
هذا التعدد جعل من الصعب معرفة الجهة المسؤولة فعليًا عن الأمن أو مساءلة من يتجاوز سلطاته.
ويرى محللون أن المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من أبوظبي، أصبح الطرف الأكثر نفوذًا في المشهد الأمني بعدن، مما أضعف دور الحكومة ومؤسساتها الرسمية.
وبينما يبرر الانتقالي ذلك بأنه “ضرورة لحفظ الأمن”، يراه آخرون وسيلة لبسط النفوذ السياسي وتنفيذ أجندة تتجاوز إطار الدولة اليمنية.
نفوذ الإمارات وأجندة الجنوب
منذ تدخلها العسكري ضمن التحالف العربي، أسست الإمارات شبكة نفوذ أمني وعسكري واسعة في جنوب اليمن، ونجحت في بناء تحالفات مع قوى محلية موالية لها.
تقارير دولية عدة – منها صادرة عن هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية – وثّقت انتهاكات بحق معتقلين ومخفيين قسريًا في سجون تشرف عليها تشكيلات مدعومة إماراتيًا، بينها حالات مرتبطة باغتيالات سياسية لم يُكشف عن مرتكبيها حتى اليوم.
ويرى باحثون أن تلك السياسات ساهمت في تصفية خصوم سياسيين، خاصة المنتمين إلى حزب الإصلاح، ما أدى إلى خلق مناخ من الخوف والرقابة الذاتية داخل عدن، وتحويل المدينة إلى ساحة صراع نفوذ بين القوى المحلية والإقليمية.
بين السياسة والإنسان
أسرة الشجينة، التي تحيي اليوم الذكرى السابعة لرحيله، ما تزال تتمسك بأمل العدالة.
تقول في بيان لها:
“لن نسكت عن حقنا، ولن نعتبر مرور السنوات نسيانًا. العدالة المؤجلة ظلم مضاعف.”
وبينما يُسجّل معظم ضحايا الاغتيالات في عدن “ضد مجهول”، يتساءل الشارع العدني:
هل أصبحت المدينة رهينة صراع الأجهزة؟
ومن يحكمها فعلاً؟
قضية الشجينة لم تعد مجرد جريمة اغتيال، بل مرآة لواقع مدينة أنهكتها الانقسامات وتنازع النفوذ بين قوى الداخل والخارج.
ومع مرور سبع سنوات على الجريمة، تبقى العدالة غائبة، والسؤال مؤلمًا كما هو
من يحكم عدن؟